كان لديهم حكم مصر، أعظم وأعرق دولة فى الشرق، فأضاعوه، وأوشك أن تضيع
معه أشياء كثيرة، لكن الله سلم.. مشكلتهم إنهم تقدموا له فى لحظة فارقة
ودقيقة من تاريخ مصر، عقب ثورة كسرت حاجز الخوف لدى الشعب ورفعت سقف
مطالبه.. تصوروا أن الشعب المصرى الذى عرف عنه تبعيته المطلقة لمن يحكمه
سوف يمارس معه نفس الدور، لكن الشعب تغير، وما عاد يقبل استبداداً وفشلاً..
لقد كانت مسئولية الحكم أكبر بكثير جداً من قدرات الإخوان وطاقاتهم
وإمكاناتهم، فضلاً عن أن طبيعة المرحلة كانت تستلزم عدم صدارتهم للمشهد..
كنت أدرك ذلك جيداً، لذا توقعت فشلهم.. حين علمت بترشيحهم لخيرت الشاطر
لانتخابات رئاسة الجمهورية، وصفت ذلك لحظتها بأنه خطأ استراتيجى قاتل وأنه
سوف يكلف الجماعة والوطن غالياً.. لكن هكذا جرت أقدار الله.
حتى آخر يوم لى فى الجماعة (أواخر ديسمبر من عام ٢٠٠٩)، كانت لى ملاحظاتى على التنظيم، فقد كان مترهلاً، يستهلك جزءاً كبيراً من وقته وجهده فى اللقاءات المغلقة، وكان التواصل بين قمته وقاعدته ضعيفاً ويتم من خلال قيادات وسيطة فقيرة القدرات والإمكانات.. كما كانت متابعة الأفراد، فكرياً وثقافياً وسلوكياً وأخلاقياً ضعيفة للغاية.. كان أداء الأفراد -على وجه العموم- كموظفى الحكومة، فتات جهود وفضول أوقات.. وقد رصدت مجموعة من مظاهر الخلل، أخطرت مكتب الإرشاد بها، وحاولت تقديم حلول لها، لكن -للأسف- لم أجد آذاناً صاغية.. ومما لاشك فيه أن الوصول إلى السلطة بعد ذلك، أدى إلى إبراز مظاهر أخرى من الخلل، ربما أشد مأساوية وكارثية.
غنىٌ عن البيان أن السياسة القمعية للرئيس المخلوع لعبت دوراً كبيراً فى حصار الجماعة داخل دائرة رد الفعل، فضلاً عن انكفائها على ذاتها وحرمانها من وجود حراك عادى وطبيعى داخلها.. ساعد على ذلك ضعف قدرة الجماعة على الانفتاح على القوى السياسية والوطنية.. وقد تسببت عمليات الاعتقال التى كانت تتم من وقت لآخر لعناصر مفصلية داخل الجماعة فى إرباك حركتها وعرقلة خططها وبرامجها، إضافة إلى تأجيل وترحيل انعقاد مجلس شوراها العام، صاحب التشريع والرقابة داخل الجماعة، مدة ١٦ عاماً.
كل ذلك شكّل وضعاً لم تكن فيه الجماعة مستعدة ولا مهيأة ولا مؤهلة بأى حال، للمنافسة على منصب رئيس دولة فى حجم مصر.. كان ينقصها -ولايزال- الكثير.. وقد ثبت فشلها فى إدارة شئون الدولة خلال العام الذى حكمت فيه، مما جعل عشرات الملايين من شعب مصر يخرجون يوم ٣٠ يونيو فى مشهد تاريخى مهيب وغير مسبوق للمطالبة برحيل الدكتور مرسى.. وكان انحياز القيادة العامة للقوات المسلحة لتلك الملايين مهماً لإتمام عملية الرحيل، وفى هذا الصدد، يجب ألا ننسى أن الفريق السيسى أمهل الدكتور مرسى وكل القوى السياسية مهلتين للخروج من المأزق وتجنيب البلاد مزيداً من الانقسام والاحتراب الأهلى والعنف المجتمعى؛ الأولى لمدة أسبوع والثانية لمدة ٤٨ ساعة.. ومع ذلك مضى الوقت، والرجل يهدر كل الفرص المتاحة.
من حق المعترضين على عزل الدكتور مرسى أن يتظاهروا ويعتصموا ما شاء الله لهم، طالما تم ذلك بأسلوب سلمى.. إن جزءاً من المعتصمين يرى فى عزل الرجل حرباً على الإسلام، وبالتالى هو على استعداد لفدائه بنفسه وماله وجهده ووقته.. هذا الجزء يضم أناساً بسطاء حظهم ونصيبهم من العلم والفقه (خاصة فقه الواقع والأولويات والتوازنات والمآلات)، ضئيل ومتواضع للغاية، لكن تحركهم عواطفهم.. وفى ظل تهييج واستثارة هذه العواطف يتم جمعهم وحشدهم واستبقاؤهم معتصمين أطول فترة ممكنة.
جزء آخر من المعتصمين يرى أن هذه هى الفرصة الأخيرة المتاحة.. لقد كان وصول الإخوان لقمة هرم السلطة، وما ترتب عليه من تشكيل حكومة وتعيين محافظين وتسكين لأعضائهم فى مختلف الوزارات، بغض النظر عن معيار الكفاءة، أقول كان ذلك حلماً صعب المنال، خاصة بعد تاريخ طويل من المعاناة.. وفجأة يتم عزلهم عن السلطة ويزول عنهم ما كانوا يتمتعون به من قوة وإحساس بالهيمنة والتحكم والسيطرة، وهو ما سبب لهم صدمة شديدة وخللاً فى التوازن، أعقبه رفض وإنكار لما حدث، ثم محاولة حثيثة لاستعادة الوضع السابق بأى ثمن.. إن الخوف من العودة إلى أيام مبارك هو الهاجس الذى يراود الإخوان وشركاءهم بعد عزل الدكتور مرسى ووضعه رهن الإقامة الجبرية، فضلاً عن اعتقال بعض القيادات العليا لهم، إضافة إلى أمر النيابة بضبط وإحضار القيادات الأخرى.. ثم ما سينتظر هؤلاء من محاكمات خاصة بالتحريض على القتل والعنف، وقضايا أخرى.
فى تصورى، لن يعود الدكتور مرسى إلى سدة الحكم، فقد انتهى الأمر.. غير أن الجماعة والمرتبطين بها لا يدركون خطورة ما هم فيه وما يدعون إليه.. لذا أقول لهم لا تضيعوا أوقاتكم وجهودكم، اللهم إلا إذا كنتم تريدون العودة للفشل مرة أخرى.. الأولى بكم أن تنهوا اعتصامكم ومظاهراتكم حفظاً للأرواح وحقناً للدماء وسلامة الوطن، وأن تعيدوا ترتيب أوراقكم، وتستعدوا لما هو آت بروح جديدة ورؤية مختلفة وتصور مغاير لما سبق.. فى المقابل، يبدو أن الأجهزة الأمنية تراهن على الوقت بالنسبة للمعتصمين، من حيث فقدان الأمل من ناحية، وجفاف منابع تمويل الإعاشة والانتقال من ناحية أخرى.. وأرى أن من الحكمة والكياسة التعامل معهم بشكل سلمى وفى إطار القانون، فهم مصريون والدولة مأمورة بالحفاظ على أرواحهم ودمائهم.
حتى آخر يوم لى فى الجماعة (أواخر ديسمبر من عام ٢٠٠٩)، كانت لى ملاحظاتى على التنظيم، فقد كان مترهلاً، يستهلك جزءاً كبيراً من وقته وجهده فى اللقاءات المغلقة، وكان التواصل بين قمته وقاعدته ضعيفاً ويتم من خلال قيادات وسيطة فقيرة القدرات والإمكانات.. كما كانت متابعة الأفراد، فكرياً وثقافياً وسلوكياً وأخلاقياً ضعيفة للغاية.. كان أداء الأفراد -على وجه العموم- كموظفى الحكومة، فتات جهود وفضول أوقات.. وقد رصدت مجموعة من مظاهر الخلل، أخطرت مكتب الإرشاد بها، وحاولت تقديم حلول لها، لكن -للأسف- لم أجد آذاناً صاغية.. ومما لاشك فيه أن الوصول إلى السلطة بعد ذلك، أدى إلى إبراز مظاهر أخرى من الخلل، ربما أشد مأساوية وكارثية.
غنىٌ عن البيان أن السياسة القمعية للرئيس المخلوع لعبت دوراً كبيراً فى حصار الجماعة داخل دائرة رد الفعل، فضلاً عن انكفائها على ذاتها وحرمانها من وجود حراك عادى وطبيعى داخلها.. ساعد على ذلك ضعف قدرة الجماعة على الانفتاح على القوى السياسية والوطنية.. وقد تسببت عمليات الاعتقال التى كانت تتم من وقت لآخر لعناصر مفصلية داخل الجماعة فى إرباك حركتها وعرقلة خططها وبرامجها، إضافة إلى تأجيل وترحيل انعقاد مجلس شوراها العام، صاحب التشريع والرقابة داخل الجماعة، مدة ١٦ عاماً.
كل ذلك شكّل وضعاً لم تكن فيه الجماعة مستعدة ولا مهيأة ولا مؤهلة بأى حال، للمنافسة على منصب رئيس دولة فى حجم مصر.. كان ينقصها -ولايزال- الكثير.. وقد ثبت فشلها فى إدارة شئون الدولة خلال العام الذى حكمت فيه، مما جعل عشرات الملايين من شعب مصر يخرجون يوم ٣٠ يونيو فى مشهد تاريخى مهيب وغير مسبوق للمطالبة برحيل الدكتور مرسى.. وكان انحياز القيادة العامة للقوات المسلحة لتلك الملايين مهماً لإتمام عملية الرحيل، وفى هذا الصدد، يجب ألا ننسى أن الفريق السيسى أمهل الدكتور مرسى وكل القوى السياسية مهلتين للخروج من المأزق وتجنيب البلاد مزيداً من الانقسام والاحتراب الأهلى والعنف المجتمعى؛ الأولى لمدة أسبوع والثانية لمدة ٤٨ ساعة.. ومع ذلك مضى الوقت، والرجل يهدر كل الفرص المتاحة.
من حق المعترضين على عزل الدكتور مرسى أن يتظاهروا ويعتصموا ما شاء الله لهم، طالما تم ذلك بأسلوب سلمى.. إن جزءاً من المعتصمين يرى فى عزل الرجل حرباً على الإسلام، وبالتالى هو على استعداد لفدائه بنفسه وماله وجهده ووقته.. هذا الجزء يضم أناساً بسطاء حظهم ونصيبهم من العلم والفقه (خاصة فقه الواقع والأولويات والتوازنات والمآلات)، ضئيل ومتواضع للغاية، لكن تحركهم عواطفهم.. وفى ظل تهييج واستثارة هذه العواطف يتم جمعهم وحشدهم واستبقاؤهم معتصمين أطول فترة ممكنة.
جزء آخر من المعتصمين يرى أن هذه هى الفرصة الأخيرة المتاحة.. لقد كان وصول الإخوان لقمة هرم السلطة، وما ترتب عليه من تشكيل حكومة وتعيين محافظين وتسكين لأعضائهم فى مختلف الوزارات، بغض النظر عن معيار الكفاءة، أقول كان ذلك حلماً صعب المنال، خاصة بعد تاريخ طويل من المعاناة.. وفجأة يتم عزلهم عن السلطة ويزول عنهم ما كانوا يتمتعون به من قوة وإحساس بالهيمنة والتحكم والسيطرة، وهو ما سبب لهم صدمة شديدة وخللاً فى التوازن، أعقبه رفض وإنكار لما حدث، ثم محاولة حثيثة لاستعادة الوضع السابق بأى ثمن.. إن الخوف من العودة إلى أيام مبارك هو الهاجس الذى يراود الإخوان وشركاءهم بعد عزل الدكتور مرسى ووضعه رهن الإقامة الجبرية، فضلاً عن اعتقال بعض القيادات العليا لهم، إضافة إلى أمر النيابة بضبط وإحضار القيادات الأخرى.. ثم ما سينتظر هؤلاء من محاكمات خاصة بالتحريض على القتل والعنف، وقضايا أخرى.
فى تصورى، لن يعود الدكتور مرسى إلى سدة الحكم، فقد انتهى الأمر.. غير أن الجماعة والمرتبطين بها لا يدركون خطورة ما هم فيه وما يدعون إليه.. لذا أقول لهم لا تضيعوا أوقاتكم وجهودكم، اللهم إلا إذا كنتم تريدون العودة للفشل مرة أخرى.. الأولى بكم أن تنهوا اعتصامكم ومظاهراتكم حفظاً للأرواح وحقناً للدماء وسلامة الوطن، وأن تعيدوا ترتيب أوراقكم، وتستعدوا لما هو آت بروح جديدة ورؤية مختلفة وتصور مغاير لما سبق.. فى المقابل، يبدو أن الأجهزة الأمنية تراهن على الوقت بالنسبة للمعتصمين، من حيث فقدان الأمل من ناحية، وجفاف منابع تمويل الإعاشة والانتقال من ناحية أخرى.. وأرى أن من الحكمة والكياسة التعامل معهم بشكل سلمى وفى إطار القانون، فهم مصريون والدولة مأمورة بالحفاظ على أرواحهم ودمائهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق