عندما رأيت هذه الصورة استوقفتني لفترة ليست بالقصيرة لأفكر فيما
مدلولاتها المختلفة .. صورة فيها معانٍ ومعان .. نفسية وجدانية
انفعالية .. واجتماعية بيئية زمنية مكانية .. وعقلية معرفية مهارية بنائية.. وجسمية حركية
فسيولوجية فطرية .. هذا الرجل المصري الأصيل الفقير ذو البشرة
السمراء المتشربة بسمرة طمي نيل مصر ذو الابتسامة الساحرة كسحر
جمال مصر بكل ما تحمله على كاهلها من أثقال وأثقال من مشكلات ومشكلات .. مرعليها و
بها حُكَّام وحُكَّام وهي كما هي نفس المشكلات والأثقال لم تجد من ينفض تلك الأثقال عن كاهل الشعب المصري ولم تجد من يحل لهم مشكلاتهم .. إن كل مشكلات مصر ظهرت جلّية واضحة في ملبسه
الذي يدل على درجة شقاء هذا الشريف المكافح وفي تنوع الصور التي يحملها على جميع أعضاء جسمه المنهك كجسم مصر المنهك المثقل بالهموم والمشاكل .. تأملت الصورة فوجدت
الرجل يضع على جبينه شريط أصفر مكتوب عليه " رابعة " ..
والجبين فيه الناصية التي هي مقدم الرأس أعلى الجبهة
وفيها مصدر القرار وفيها مركز الصدق و الكذب والخطأ والصواب عند الإنسان كما يوجد وراء عظم الجبهة الفص الأمامي للمخ
وهو المسؤول عن سلوك الإنسان وكلامه .. كما تقول الأبحاث العلمية .. أنا هنا لا أقصد أي شئ سوى عرض رؤيتي ورؤية الآخرين لهذه الصورة العبقرية التي استمدت عبقريتها من عبقرية صاحبها الذي أحترمه وأقدره وأجلّه .. وأعتقد أن هذا الإنسان البسيط لم يكن في اعتباره هذا
الكلام " المجعلص " الذي أقوله الآن عندما ربط هذا الرباط على جبينه .. ولكني أنقل نظرتي للصورة وكيف
رأيتها وكيف قرأتها .. كما يمسك هذا الرجل البسيط بيده اليمنى
مجموعة من الصور لا أدري ماهي وإنما استرعى انتباهي اللون الأصفر
والذي هو يُعبّر عن إشارة رابعة فهل لليد اليمنى هنا من معنى ؟ .. كما حملت عنقه وتدلت على صدره صورة
الدكتور مرسي ومكتوب عليها كلمات " معاك يا ريس " وهنا نجد محل القلب.. قلب مصري بسيط ! .. أما يده
اليسرى فقد أمسكت بصورة الفريق أول السيسي ومكتوب عليها كلمات " الأسد
المصري " وهل لليد اليسرى هنا من معنى ؟ .. ومن المفارقات العجيبة أو الصور البديعية النابعة من
إبداع الشعب المصري أو اللقطات الجميلة الناشئة من جمال الشعب المصري
البسيط أن كل الصور التي يحملها هذا المصري كانت تلتحف بعلم جمهورية
مصر العربية !!!.. يا الله على عبقرية هذه الصورة .. وعندما تناقشت مع الإخوة والأخوات من مختلف التوجهات والأيديولوجيات والأحزاب والفرق والشيع .. كان لكلٍ رؤيتة الخاصة لهذه الصورة .. فمنهم من يرى أن الصورة كوميدية ولكنه لا يستطيع تحديد لونها بيضاء كانت أم سوداء .. فتجدهم يصفونها بأنها تعبّر عن الوحدة الوطنية التي ليس لها وجود الآن ؟ .. ومنهم من يقول :أن هذا الرجل يتّبع سياسة الوفاق .. وآخر يقول : أنه ينادي بالتصالح بين الفرق والشيع التي ملأت مصر للأسف .. ومنهم من يقول: أنه فكرني بمسرحية ريا وسكينة "هو انت مع مين فيهم بالظبط ".. وتجد منهم في النهاية من يقول : أنه يتمنى تلك الوحدة .. وتجد آخر يقول :أن هذا الرجل المصري البسيط جعلنا نقوم بالدعاء بإصلاح ذات البين بين جميع فئات الشعب المصري .. وهناك من نظر للصورة من باب البحث عن الرزق .. فتجد من يقول: الرزق يحب الخفية .. والراجل غلبان فقير مش لاقي يآكل فـ "بيلقط رزقه " .. ومنهم من يقول : والله الشعب ده غلبان الراجل عاوز يآكل عيش ولقمة العيش ليها أحكام .. لقمة العيش مُرّة .. ومنهم من يقول: الراجل بيقول أنا عاوز آكل عيش يا ناس مليش دعوة باللي بينكوا وانا مالي .. وذاك يقول : هو لازم يعمل كده عشان لقمة العيش اللي محدش من الحُكّام قدر يوفرهاله .. بينما فريق آخر فسر هذه الصورة من الوجهة الوطنية وفي إطار الحالة السياسية فتجده يقول : هذا المصري الفقير الغلبان بيبيع كل الصور لكل الانتماءات لاحتياجه للقمة العيش والدور والباقي على اللي بيبيع المبادئ وهو مش محتاج لأي شئ غير إدمانه للنفاق والتلون .. يا الله .. وتجد آخر بتوجهه السياسي المضاد للتوجه السياسي للتوجه السابق يقول : أهو شغل والسلام أحسن ما يمد إيده للحرام ولا يشتغل في الحرام ويا ريت المسؤولين في مصر دلوقتي بدل ما بيعطوا 2 مليون دولار لشركة إسرائيلية كانوا شافوا ملايين زي الراجل ده وحاولوا مساعدتهم .. ثم تجد فريق جديد يقول : أن هذا الرجل مثله مثل ملايين المصريين اللي ملهمش في السياسة هو بيبيع الصور ع شان يرضي كل الناس وبيقلك وانا مالي بده ولاده انا عاوز أعيش ومليش دعوة بالسياسة .. السياسة دي للي مرتاحين والطامعين في الكرسي والميادين والقرب من المسؤولين .. بينما تجد فريق آخر يقول الشعب المصري ده فيه ميزة متلقيهاش في حد تاني وهو إنه بيتكّيف مع كل العصور وكل الحُكّام وكل اللئام .. وهناك فريق ينظر للصورة قائلاً : الخلاف في الرأي لا يفسد في الود قضية وهذا الوطني المخلص رجل شجاع يعرف قدر وقيمة مصر الكبيرة في الساحة العربية والدولية وأنه قد استطاع بجدعنته وفطنته أن يحبط كل المؤامرات التي حاولت النيل من أرض الكنانة مصر ويا رب تحفظ مصر وللعلم هذا الفريق هو من بلد عربي شقيق هو تونس الحرة .. أما المعنى الخطير والذي لا يمكن تجاهله فقد قاله فريق قد رأى الصورة من زاوية آخرى وهي أن الصورة تعبر عن "أن الخلاف بين الأحزاب والفرق والأطياف والشيع والاتجاهات والأيديولوجيات في مصر قد أصبح تجارة وأن هذا قد حدث أو قد يحدث نتيجة تشويش العقول والأفكار بما يحدث في مصر الآن وأن الناس فاكرة أن اللي بيحصل في مصر كأنه ماتش كورة بين الأهلي والزمالك واللي هيكسب هو اللي حيحكم مصر والموضوع أكبر من كده بكثير ".. وفي الحقيقة أن هذا المعنى الذي قصده الفريق الأخير هو من أخطر المعاني التي عبّر عنها كل من شاهدوا هذه الصورة .. أن يصبح الخلاف مجالاً للتجارة .. فهذا في منتهى الخطورة على مصر والشعب المصري .. وهذا ما أخشاه على مصر كنانة الله في أرضه .. وهكذا كانت وما زالت هذه الصورة العبقرية تشحذ الذهن وتؤدي إلى العصف الذهني عند كل من يراها .. وهنا مكمن عبقرية هذه الصورة وخطورتها في نفس الوقت .. علقريتها النابعة من عبقرية المصري البسيط الفقير ومن عبقرية الزمان والمكان والمكانة لأرض الكنانة المصرية ولشعبها المكافح المناضل الصبور المثابر العظيم .. وخطورتها أن يُصبح في مصر نوع من التجارة جديد هو التجارة بالخلافات بين أبناء مصر إن لم يكن قد أصبح بالفعل وتتم ممارسته الآن .. نعم .. إنها .. عبقرية صورة.. نابعة من عبقرية شعب .. ومن عبقرية زمان ومكان ومكانة هذا الشعب .. وخطورة صورة تخاف منها على هذا الشعب وعبقريته وعبقرية زمانه ومكانه ومكانته ..
------------------------
د.شهيرة عبد الهادي
------------------------
د.شهيرة عبد الهادي