حوار مع أعرابي أضاع فرسه.................شعر :: نزار قبانى
لو كانتْ تسمعُني الصحراءْ
لطلبتُ إليها أن تتوقّف عن تفريخِ ملايينِ الشعراءْ
وتحرِّر هذا الشّعب الطيّبَ من سيفِ الكلماتْ
ما زلنا منذُ القرنِ السّابعِ ، نأكلُ أليافَ الكلماتْ
نتزحلقُ في صمغِ الرّاءاتْ
نتدحرجُ من أعلى الهاءاتْ
وننامُ على هجوِ جريرٍ
ونفيقُ على دمعِ الخنساءْ
ما زلنا منذ القرنِ السابعِ .. خارجَ خارطةِ الأشياءْ
نترقّبُ عنترةَ العبسيَّ .. يجيءُ على فَرَسٍ بيضاءْ
ليفرِّجَ عنّا كربتَنا .. ويردَّ طوابيرَ الأعداءْ ..
ما زلنا نقضمُ كالفئرانِ .. مواعظَ سادتِنا الفقهاءْ
نقرأُ (معروفَ الإسكافيَّ) ونقرأُ (أخبارَ الندماءْ)
ونكاتَ جُحا ..
و (رجوعَ الشيخِ) ..
وقصّةَ (داحسَ والغبراءْ) ..
يا بلدي الطيّبَ ، يا بلدي
الكلمةُ كانتْ عصفوراً ..
وجعلنا منها سوقَ بغاءْ ..
2
لو كانتْ نَجدٌ تسمعُني
والربعُ الخالي يسمعني
لختمتُ أنا بالشّمعِ الأحمرِ سوقَ عُكاظْ
وشنقتُ جميعَ النجّارينَ .. وكلَّ بياطرةِ الألفاظْ
ما زلنا منذُ ولادتِنا ..
تسحقُنا عجلاتُ الألفاظْ
لو أُعطى السّلطةَ في وطني
لقلعتُ نهارَ الجمعةِ أسنانَ الخُطباءْ
وقطعتُ أصابعَ من صبغوا .. بالكلمةِ أحذيةَ الخُلفاءْ
وجلدتُ جميعَ المنتَفعينَ بدينارٍ .. أو صحنِ حساءْ
وجلدتُ الهمزةَ في لغتي .. وجلدتُ الياءْ
وذبحتُ السّينَ .. وسوفَ .. وتاءَ التأنيثِ البلهاءْ
والزخرفَ والخطَّ الكوفيَّ ، وكلَّ ألاعيبِ البُلغاءْ
وكنستُ غبارَ فصاحَتنا ..
وجميعَ قصائدنا العصماءْ ..
يا بلدي ..
كيفَ تموتُ الخيلُ .. ولا يبقى إلا الشعراءْ ؟
3
لو أُعطى السُّلطة في وطني
أعدمتُ جميعَ المنبطحينَ على أبوابِ مقاهينا
وقصصتُ لسانَ مغنّينا
وفقأتُ عيونَ القمرِ الضاحكِ من أحزانِ ليالينا
وكسرتُ زجاجتَهُ الخضراءْ ..
وأرحتُكَ يا ليلَ بلادي ..
من هذا الوحشِ الآكلِ من لحمِ البُسطاءْ ..
4
يا بلدي الطيّبَ .. يا بلدي
لو تنشفُ آبارُ البترولِ .. ويبقى الماءْ
لو يُخصى كل المنحرفينَ .. وكلُّ سماسرةِ الأثداءْ
لو تُلغى أجهزةُ التكييفِ .. من الغرفِ الحمراءْ
وتصيرُ يواقيتُ التيجانِ .. نعالاً في أقدامِ الفقراءْ ..
أو أملكُ كرباجاً بيدي ..
جرّدتُ قياصرةَ الصحراءِ من الأثوابِ الحضريَّهْ
ونزعتُ جميعَ خواتمهمْ
ومحوتُ طلاءَ أظافرهمْ
وسحقتُ الأحذيةَ اللمّاعةَ .. والسّاعاتِ الذهبيّهْ
وأعدتُ حليبَ النُوقِ لهمْ
وأعدتُ سروجَ الخيلِ لهمْ
وأعدتُ لهم ، حتّى الأسماءَ العربيّهْ
5
لو يكتُبُ في يافا الليمونُ .. لأرسلَ آلافَ القُبلاتْ
لو أنَّ بحيرةَ طبريّا ..
تُعطينا بعضَ رسائلِها ..
لاحترقَ القارئُ والصفحاتْ ..
لو أنَّ القدسَ لها شفةٌ ..
لاختنقت في فمها الصلواتْ
لو أنَّ .. وما تُجدي (لو أنَّ) .. ونحنُ نسافرُ في المأساةْ
ونمدُّ الأرضَ المحتلّهْ .. حبْلاً شعريَّ الكلماتْ
ونمدُّ ليافا منديلاً طُرِّزَ بالدمعِ .. وبالدعواتْ
يا بلدي الطيّبَ .. يا بلدي
ذبحَتْكَ سكاكينُ الكلماتْ
حوار مع أعرابي أضاع فرسه.................شعر :: نزار قبانى
لو كانتْ تسمعُني الصحراءْ
لطلبتُ إليها أن تتوقّف عن تفريخِ ملايينِ الشعراءْ
وتحرِّر هذا الشّعب الطيّبَ من سيفِ الكلماتْ
ما زلنا منذُ القرنِ السّابعِ ، نأكلُ أليافَ الكلماتْ
نتزحلقُ في صمغِ الرّاءاتْ
نتدحرجُ من أعلى الهاءاتْ
وننامُ على هجوِ جريرٍ
ونفيقُ على دمعِ الخنساءْ
ما زلنا منذ القرنِ السابعِ .. خارجَ خارطةِ الأشياءْ
نترقّبُ عنترةَ العبسيَّ .. يجيءُ على فَرَسٍ بيضاءْ
ليفرِّجَ عنّا كربتَنا .. ويردَّ طوابيرَ الأعداءْ ..
ما زلنا نقضمُ كالفئرانِ .. مواعظَ سادتِنا الفقهاءْ
نقرأُ (معروفَ الإسكافيَّ) ونقرأُ (أخبارَ الندماءْ)
ونكاتَ جُحا ..
و (رجوعَ الشيخِ) ..
وقصّةَ (داحسَ والغبراءْ) ..
يا بلدي الطيّبَ ، يا بلدي
الكلمةُ كانتْ عصفوراً ..
وجعلنا منها سوقَ بغاءْ ..
2
لو كانتْ نَجدٌ تسمعُني
والربعُ الخالي يسمعني
لختمتُ أنا بالشّمعِ الأحمرِ سوقَ عُكاظْ
وشنقتُ جميعَ النجّارينَ .. وكلَّ بياطرةِ الألفاظْ
ما زلنا منذُ ولادتِنا ..
تسحقُنا عجلاتُ الألفاظْ
لو أُعطى السّلطةَ في وطني
لقلعتُ نهارَ الجمعةِ أسنانَ الخُطباءْ
وقطعتُ أصابعَ من صبغوا .. بالكلمةِ أحذيةَ الخُلفاءْ
وجلدتُ جميعَ المنتَفعينَ بدينارٍ .. أو صحنِ حساءْ
وجلدتُ الهمزةَ في لغتي .. وجلدتُ الياءْ
وذبحتُ السّينَ .. وسوفَ .. وتاءَ التأنيثِ البلهاءْ
والزخرفَ والخطَّ الكوفيَّ ، وكلَّ ألاعيبِ البُلغاءْ
وكنستُ غبارَ فصاحَتنا ..
وجميعَ قصائدنا العصماءْ ..
يا بلدي ..
كيفَ تموتُ الخيلُ .. ولا يبقى إلا الشعراءْ ؟
3
لو أُعطى السُّلطة في وطني
أعدمتُ جميعَ المنبطحينَ على أبوابِ مقاهينا
وقصصتُ لسانَ مغنّينا
وفقأتُ عيونَ القمرِ الضاحكِ من أحزانِ ليالينا
وكسرتُ زجاجتَهُ الخضراءْ ..
وأرحتُكَ يا ليلَ بلادي ..
من هذا الوحشِ الآكلِ من لحمِ البُسطاءْ ..
4
يا بلدي الطيّبَ .. يا بلدي
لو تنشفُ آبارُ البترولِ .. ويبقى الماءْ
لو يُخصى كل المنحرفينَ .. وكلُّ سماسرةِ الأثداءْ
لو تُلغى أجهزةُ التكييفِ .. من الغرفِ الحمراءْ
وتصيرُ يواقيتُ التيجانِ .. نعالاً في أقدامِ الفقراءْ ..
أو أملكُ كرباجاً بيدي ..
جرّدتُ قياصرةَ الصحراءِ من الأثوابِ الحضريَّهْ
ونزعتُ جميعَ خواتمهمْ
ومحوتُ طلاءَ أظافرهمْ
وسحقتُ الأحذيةَ اللمّاعةَ .. والسّاعاتِ الذهبيّهْ
وأعدتُ حليبَ النُوقِ لهمْ
وأعدتُ سروجَ الخيلِ لهمْ
وأعدتُ لهم ، حتّى الأسماءَ العربيّهْ
5
لو يكتُبُ في يافا الليمونُ .. لأرسلَ آلافَ القُبلاتْ
لو أنَّ بحيرةَ طبريّا ..
تُعطينا بعضَ رسائلِها ..
لاحترقَ القارئُ والصفحاتْ ..
لو أنَّ القدسَ لها شفةٌ ..
لاختنقت في فمها الصلواتْ
لو أنَّ .. وما تُجدي (لو أنَّ) .. ونحنُ نسافرُ في المأساةْ
ونمدُّ الأرضَ المحتلّهْ .. حبْلاً شعريَّ الكلماتْ
ونمدُّ ليافا منديلاً طُرِّزَ بالدمعِ .. وبالدعواتْ
يا بلدي الطيّبَ .. يا بلدي
ذبحَتْكَ سكاكينُ الكلماتْ
لو كانتْ تسمعُني الصحراءْ
لطلبتُ إليها أن تتوقّف عن تفريخِ ملايينِ الشعراءْ
وتحرِّر هذا الشّعب الطيّبَ من سيفِ الكلماتْ
ما زلنا منذُ القرنِ السّابعِ ، نأكلُ أليافَ الكلماتْ
نتزحلقُ في صمغِ الرّاءاتْ
نتدحرجُ من أعلى الهاءاتْ
وننامُ على هجوِ جريرٍ
ونفيقُ على دمعِ الخنساءْ
ما زلنا منذ القرنِ السابعِ .. خارجَ خارطةِ الأشياءْ
نترقّبُ عنترةَ العبسيَّ .. يجيءُ على فَرَسٍ بيضاءْ
ليفرِّجَ عنّا كربتَنا .. ويردَّ طوابيرَ الأعداءْ ..
ما زلنا نقضمُ كالفئرانِ .. مواعظَ سادتِنا الفقهاءْ
نقرأُ (معروفَ الإسكافيَّ) ونقرأُ (أخبارَ الندماءْ)
ونكاتَ جُحا ..
و (رجوعَ الشيخِ) ..
وقصّةَ (داحسَ والغبراءْ) ..
يا بلدي الطيّبَ ، يا بلدي
الكلمةُ كانتْ عصفوراً ..
وجعلنا منها سوقَ بغاءْ ..
2
لو كانتْ نَجدٌ تسمعُني
والربعُ الخالي يسمعني
لختمتُ أنا بالشّمعِ الأحمرِ سوقَ عُكاظْ
وشنقتُ جميعَ النجّارينَ .. وكلَّ بياطرةِ الألفاظْ
ما زلنا منذُ ولادتِنا ..
تسحقُنا عجلاتُ الألفاظْ
لو أُعطى السّلطةَ في وطني
لقلعتُ نهارَ الجمعةِ أسنانَ الخُطباءْ
وقطعتُ أصابعَ من صبغوا .. بالكلمةِ أحذيةَ الخُلفاءْ
وجلدتُ جميعَ المنتَفعينَ بدينارٍ .. أو صحنِ حساءْ
وجلدتُ الهمزةَ في لغتي .. وجلدتُ الياءْ
وذبحتُ السّينَ .. وسوفَ .. وتاءَ التأنيثِ البلهاءْ
والزخرفَ والخطَّ الكوفيَّ ، وكلَّ ألاعيبِ البُلغاءْ
وكنستُ غبارَ فصاحَتنا ..
وجميعَ قصائدنا العصماءْ ..
يا بلدي ..
كيفَ تموتُ الخيلُ .. ولا يبقى إلا الشعراءْ ؟
3
لو أُعطى السُّلطة في وطني
أعدمتُ جميعَ المنبطحينَ على أبوابِ مقاهينا
وقصصتُ لسانَ مغنّينا
وفقأتُ عيونَ القمرِ الضاحكِ من أحزانِ ليالينا
وكسرتُ زجاجتَهُ الخضراءْ ..
وأرحتُكَ يا ليلَ بلادي ..
من هذا الوحشِ الآكلِ من لحمِ البُسطاءْ ..
4
يا بلدي الطيّبَ .. يا بلدي
لو تنشفُ آبارُ البترولِ .. ويبقى الماءْ
لو يُخصى كل المنحرفينَ .. وكلُّ سماسرةِ الأثداءْ
لو تُلغى أجهزةُ التكييفِ .. من الغرفِ الحمراءْ
وتصيرُ يواقيتُ التيجانِ .. نعالاً في أقدامِ الفقراءْ ..
أو أملكُ كرباجاً بيدي ..
جرّدتُ قياصرةَ الصحراءِ من الأثوابِ الحضريَّهْ
ونزعتُ جميعَ خواتمهمْ
ومحوتُ طلاءَ أظافرهمْ
وسحقتُ الأحذيةَ اللمّاعةَ .. والسّاعاتِ الذهبيّهْ
وأعدتُ حليبَ النُوقِ لهمْ
وأعدتُ سروجَ الخيلِ لهمْ
وأعدتُ لهم ، حتّى الأسماءَ العربيّهْ
5
لو يكتُبُ في يافا الليمونُ .. لأرسلَ آلافَ القُبلاتْ
لو أنَّ بحيرةَ طبريّا ..
تُعطينا بعضَ رسائلِها ..
لاحترقَ القارئُ والصفحاتْ ..
لو أنَّ القدسَ لها شفةٌ ..
لاختنقت في فمها الصلواتْ
لو أنَّ .. وما تُجدي (لو أنَّ) .. ونحنُ نسافرُ في المأساةْ
ونمدُّ الأرضَ المحتلّهْ .. حبْلاً شعريَّ الكلماتْ
ونمدُّ ليافا منديلاً طُرِّزَ بالدمعِ .. وبالدعواتْ
يا بلدي الطيّبَ .. يا بلدي
ذبحَتْكَ سكاكينُ الكلماتْ