إن ما يحدث في مصر الآن بصفة عامة ..وفي التعاملات اليومية بصفة خاصة من شتائم وقذف وسب واتهامات متبادلة بين الفصائل المختلفة والتيارات المختلفة والمؤيدين والمعارضين .. تصل إلى حد الاتهام بالعمالة والخيانة والتكفير للآخر واتهامه بالإلحاد والتجريح والخوض في الشخص والعرض والنفس والأصل والنسب .. ونحن في شهر رمضان المبارك .. بل أكثر من ذلك يحدث قتل لأبناء مصر على يد أبناء مصر في هذا الشهر الكريم .. الدم المصري كله واحد كله حرام ..شئ يدمى له القلب .. وإن دل ذلك على شئ .. فإنما يدل على أ ن مفهوم الوطنية قد تم تجريفه .. إن مفهوم الوطنية مفهوم أخلاقي يحتاج إلى إعادة بناء في نفوس كل مصري ومصرية .. وما يحدث الآن .. إنما هو وللأسف يعكس ثقافة شعب أخلاقية قد تم تجريفها مع سبق الإصرار والترصد طوال السنوات السابقة تمتد آثاره السلبية حتى اللحظة .. كما أنها تعكس حب كل فصيل وحب كل تيار وحب كل شخص لذاته .. أكثر من حبه لبلده أكثر من حبه لوطنه .. وهم يتناسون أن حب الوطن إنما هو حب نابع من حب الله .. وحب الله إنما ينجوا بالمسلم من براثن المذهبية والطائفية والأنانية الفكرية ومن كل أيديولوجية .. ومن الآفات التي انتشرت الآن .. أن تجد كل فريق يُطالبك بالانحياز الأعمى له فإذا ما كان الجواب هو إعمال العقل وإعمال الفكر .. اتهموك بتلك الصفات الممقوتة السابق ذكرها .. ولذلك فالكل يدور في نفس الدائرة ..ولا نجد حلاً حتى الآن للمشكلات الأخلاقية والفكرية السائدة .. والتي منها ستنبع كل الحلول الممكنة لمشكلات الوطن .. نعم إن الحل لتلك المشكلات يبدأ من التمسك بالأخلاق وبإعطاء بعد أخلاقي للسياسة .. فإذا ما نجحنا في ذلك .. سيتم حل معظم مشكلات الوطن .. الله سبحانه وتعالى يقول لرسولة الكريم في القرآن " وإنك لعلى خلق عظيم " فقد خص الله عز وجل رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام بالخلق العظيم .. و قال الرسول عليه الصلاة والسلام " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " والعبادات هي سلوكيات مصدرها الأخلاق والأخلاق مصدرها الدين والتوحيد والإيمان بعطاء الإلوهية وعطاء الربوبية .. والاقتصاد في الإسلام كان مبني على قواعد الأخلاق عند النبي عليه أفضل الصلاة والسلام .. والمعاهدات أثناء الحروب كان أساسها الأخلاقيات التي وضعها خير الأنام صلى الله عليه وسلم .. في الحقيقة نحن نتحدث عن الدين وعن العبادات وعن الأخلاقيات النابعة من ديننا أكثر مما نعمل بها في أمورنا الاقتصادية والسياسية والتعليمية والاجتماعية وفي تعاملاتنا اليومية .. إن ثورة 25 يناير 2011مـ في جوهرها كانت ثورة مبادئ أي ثورة قيم أي ثورة أخلاق .. شاب الثورة ما شابها من أحداث الكل يعلمها ولا مجال لسردها الآن .. وكان نتيجة لذلك أن حدثت الموجة الثانية من الثورة في 30 يونيو 2013 م.. وسبحان الله نجد أنه ما زالت هناك بعض الأمور تدور في نفس الفلك .. تبتعد في جوانب كثيرة منها عن القيم و عن الأخلاقيات التي كانت تنشدها ثورة 25 يناير.. تلك الثورة التي كانت تبحث عن ثورة في أخلاقيات العيش وثورة في أخلاقيات الحرية وثورة في أخلاقيات العدالة الاجتماعية وثورة في أخلاقيات الكرامة الإنسانية التي هي أساس الحرية .. وما زلنا نبحث عن تلك القيم وتلك الأخلاقيات .. وفي الحقيقة .. أن كل من لديه فكر ووعي وقدرة على التفكير والتقييم السليم لكل ما مرت به مصر وما زالت تمر به الآن .. يتلمس على أرض الواقع أننا الآن ما زلنا في أمس الحاجة إلى ثورة أخلاقية عارمة على أنفسنا وعلى فقر النفس وفقر المادة وفقر العوز وفقر الحاجة .. وثورة على جهل النفس وجهل التعليم وجهل العلم وجهل البحث العلمي .. وثورة على فقر الصحة وفقر آليات المجال الصحي .. إن ثورتنا الأخلاقية يجب أن تكون على أمراضنا النفسية والاجتماعية حيث أن تلك الثورة ستكون هي المفتاح إلى نجاح ثورة يناير وثورة يونيو.. لأن الإيمان بثورة 25 يناير 2011 م والإيمان بالموجة الثانية للثورة في 30 يونيو 2013 مـ لن يكتمل إلا بثورة تطهر البلاد مما سادها من فساد أخلاقي تحدده ضوابط مستمدة من جميع الأديان السماوية والضوابط الاجتماعية وفي سياق الأمن والأمان الذي يجب أن نسعى إليه بأخلاقياتنا .. ولذلك فنحن في انتظار الثورة الأخلاقية التي تطهرنا .. وكلنا أمل في أنه .. للأخلاق ثورة قادمة .. نعم.. نحن نقول نعم .. نعم لثورة قادمة في الأخلاق .. ولنبدأ في الإعداد لها من الآن .. كلٍ من داخله ..إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
-----------------------
د. شهيرة عبد الهادي
23 / 7 / 2013 مـ
14 رمضان 1434 هـ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق