دار هذا الحديث بيني وبين أخ في الله ..أعلم مدى صدقه في مشاعره نحو حبه لله ثم لوطنه مصر .. بدأ الحديث عندما استرجعنا سوياُ أحوال مصر الآن والتي لا تخفى على الجميع .. وبدأنا الربط بينها وبين الأجواء التي سادت البلاد أيام الانتخابات الرئاسية الماضية .. حيث أنه لا جديد كما أن مشاعر الحيرة والارتباك التي عانيناها آنذاك ما زالت تسيطر علينا حتى الآن .. حينما أجبرنا على التفكير في وضع مُحير وعلى الاختيار بين أمرين أحلاهما مر ..وتطرق الحديث بيننا في أمور شتى إلى أن وصل الآمر للبحث في أسباب الحيرة والارتباك التي نعايشها من وقتها وحتى اليوم .. إلى أن بدأ أخي في توجيه اللوم لي على حيرتي وقت الانتخابات الرئاسية .. قائلاً كيف كنت تتحيرين في هذا الأمر وأنت دكتورة فما بال الناس العاديين ؟.. وأنا قد حسمت أمري وانتخبت شفيق .. فكان هذا ردي ..
أخي الفاصل شريكي في حب مصر .. لا تلومني على صدقي مع الله ثم مع نفسي ثم معك .. عندما تحدثت إليك وقلت لك أنني وجدت نفسي في حيرة ما بين أمرين أحلاهما مر .. ومع علمي بأن الحكمة تقتضي أن أختار بينهما وأقرر وأحدد ..حاولت و لكني لم أستطع .. ألست أنا إنسانة مصرية بسيطة عادية تُحب بلدها .. إنسانة عاشت أجمل أيام حياتها في الميادين مُنذ 28 يناير 2011وحتى اليوم ..تبحث مع من " قادوها من الشباب الواعي " عن الحرية والعيش والكرامة والعدالة الاجتماعية .. إنسانة كانت تسير في الشارع وهي تشعر بالفخر والثقة بالنفس بعد تخلي المخلوع عن الحكم مباشرة ..ووالله كانت مشاعر لا أجد لها وصفها ًيتناسب مع جمالها وجمال الإحساس بها .. يا أخي : تقول لي : كيف تتحيرين وأنت دكتورة في الجامعة ؟ وإذا كنت أنتِ في حيرة !! فما بالك بالناس العاديين ؟ : وأنا أقول لك : كلنا عاديون كلنا بسطاء .. أنت وأنا والشعب المصري .. نعم عاديون في مواجهة هذا الموقف وفي مواجهة تبعاته التي علمها عند الله .. والمصدر في هذه الحيرة : هو أننا نحب بلدنا .. وليس عندنا مطمع في أي كرسي في برلمان أو منصب أو رئاسة للميدان أو رئاسة لمصر صاحبة كل ميدان ..ولم نعمل بالسياسة ولم نتعرف على دهاليزها .. وللسياسة أبوابها الخلفية التي لا يعرفها من هو صادق مثلي ومثلك.. ومن هنا .. من منطلق الخوف من الله ثم الخوف على مصر .. نشأت الحيرة ونشأ الارتباك .. في الحقيقة: إن الصح وعين الصح أن نُسلم بالصندوق ونعترف بنتيجة الصندوق ونسلم بها ونتعاون مع أيٍ شخص يأتي به الصندوق ونلتف حوله .. وهنا تتجلى المشكلة في جميع أبعادها : لماذا ؟ لأن الالتفاف حول شخصية قيادية غير الالتفاف حول شخصية رئاسية ..وكلِ لها مقومات يعرفها الشعب البسيط العادي بحسه الوطني خاصة بعد ثورة انتفض من أجلها أكثر من عشرين مليون من أبناء مصر الشرفاء.. والثورة تغيير.. والتغيير إن لم إيجابياً وللأفضل فلا فائدة منه.. وهنا يقول أخي : أنت رومانسية حالمة وما السياسة بذلك .. وللثورات انتهازيوها الذين يأخذوها ويسرقوها .. ويستطرد أخي ليسألني : هل لم تفكري في حمدين أو عمرو موسى ؟ هل لا تعرفين أن البرادعي شخصية ثقيلة وحمدين شخصية حالمة مثلك وعمرو رجل دولة ؟.. ثم يسألني أخي : ما الشخصية التي قمتِ بانتخابها ؟.. أجبته بأن رومانسيتي وأحلامي والمبادئ التي أسير عليها و قناعتي الشخصية بالثورة وإيماني بها جعلتني أدلي بصوتي إلى "خالد علي " ذلك الشاب الواعد..لأنني أؤمن بأن الثورة تغيير .. بل والتغيير الجذري أيضاً.. ..وأنا كنت أعلم جيداً أنه لن يصل إلى المنافسة على الرئاسة..لكن وعيي بتبعات الأمر وقناعتي بالثورة وبضرورة التغيير للأفضل هي من جعلتني أقوم بانتخابه في الجولة الأولى أما في الثانية فقد أبطلت صوتي .. حيث أنني أحياناً كثيرة لا أؤمن بنظرية أحسن الوحشين .. ولم يكن من بين اختياراتي حمدين ولا عمرو موسى ..أماالدكتور البرادعي بالرغم من إيماني به وبأنه من " حيث العقلية والفكر " أفضل الموجودين على الساحة منذ بدايات الثورة وحتى الآن فلو كان قد ترشح لم أكن لآنتخبه أيضاً.. وعموماً فقد انتهت الانتخابات وجاء إلى الحكم الدكتور مرسي له احترامي كشخصية مصرية .. وهنا كانت لنا جولة ثانية في الحديث وكنا متفقين ونحن الإثنان نتساءل نفس السؤال .. أين التغيير الإيجابي فيما نحن فيه الآن ؟ بعد ثورة أتت بأول رئيس مصري مُنتخب .. فإذا بي أجدتي أحدث أخي عن بُعد جديد فرضته عليّ أحداث بلدي يُحيرني أكثر وأكثر ألا وهو فرضية التغيير الإيجابي للأفضل ..ما مفهومه ؟ ما آلياته ؟ ما معطياته ؟ ما نتائجه ؟ وهذا في حد ذاته يُعتبر مصدراً من مصادر قلقي الآن ..والذي جعلني أزداد في معاناتي لمزيد من الحيرة والارتباك .. وأحياناً صدمة وذهول من أشياء كثيرة تدور حولنا ويشوبها الغموض ..خاصة وأن السياسة المتبعة الآن هي نفس السياسة التي تضعك أمام اختيارين أو اختيارات كلها مرة.. البلاد تعيش وتتعايش يومياً مع مناخ يفرق ولا يوحد..كما لم يتحقق إلى الآن أي وعد من الوعود الانتخابية التي وعد بها المرشح الرئاسي الدكتور مرسي .. هل بعد ذلك تلومني على حيرتي وارتباكي أخي ؟ .. وتعترض عليّ وتصفني بأنني رومانسية وعاطفية و تطالبني بالبعد عنهما ؟.. لماذا تلومنني وتطلب مني البعد عن رومانسيتي في أن أجد بلدي في أفضل حال ..وما هي الثورة ؟ إن الثورة ما هي إلا مشاعر رومانسية ؟ أليست الحرية والكرامة والعدالة الإنسانية هي منتهى الرومانسية ؟ ..إن حب الوطن نابع من الإيمان بالله .. والإيمان بالله يرقق القلب ويصقل المشاعر النبيلة ويُحي الحب بين البشر .. و أنبل المشاعر هي التي نُحرر بها وطناً وأن ننشر فيه العدل وأن نحترم فيه كرامة الإنسان وأن توفر له قوت يومه بكرامة وهو معزز مكرم .. با أخي لا انفصال بين الثورة وبين حب الله ثم حب الوطن ذلك المثلث الإيماني الوجداني الإنساني .. فليس بالخبز وحده يحى الإنسان وإنما يحى الإنسان عندما يجد نفسه حراً كريماً عزيزاً مُصاناً في بلده وسط أهله وخلانه .. لا يعاني الغربة النفسية وهو يعيش بينهم ويشعر أن بلده تُغتصب منه يوماً بعد يوم ... أما من هم يعملون ويشتغلون بالسياسة ومُنمرسون بها ويعتبرونها حرفتهم وصناعتهم .. فلا مجال عندهم للحب أو العواطف أو المشاعرأو الصدق .. وإلا لما وصلنا لما وصلنا إليه الآن من حالة الاكتئاب الوطني العام الذي تجتاح البلاد.. وهنا وجدت أخي في حالة شرود ذهن بل وفي حالة حيرة وارتباك أيضاً .. خاصة عندما تناولنا بعداً هاماً بل هو الأهم وهو الذي يتعلق بالناس ووجدنا أنفسنا نقول في نفس واحد بأن : هناك قطاع لا يُستهان به في محيط العمل ممن يعملون بالجامعة من مختلف الفئات كانوا يؤيدون عمرو موسى وشفيق .. ومثلهم أيضاً كثير من المعارف والأصدقائي في أسرنا الكبيرة في قريتنا ومدينتنا بداية من ربة البيت إلى من يعملون في أعمال متنوعة .. وبالرغم من أن اختياراتهم لا تتناسب مع اختيارتنا ..لكننا مقتنعون بأنها حُرية رأي وهذه أولى خطوات الديموقراطية .. لكن ما زاد الحيرة و الارتباك أن حوالي 30 مليون من الشعب المصري لم ينزل للإدلاء بصوته أساساً: لماذا ؟ بعد أن أتيحت لهم حرية الإدلاء بأصواتهم ؟ لا نعرف !!.. وهذه أبعاد جديدة أيضاً تحدد ما نعانيه الآن من ارتباك وحيرة .. وهنا وجدتني أسأل أخي : بعد كل ذلك وأنت تلومني على حيرتي : أن السياسة يا أخي ما هي إلا أساليب الضغط وأساليب تشويه الصورة التي تؤدي إلى تحير العقول والتلاعب بها.. وأن الأمر يحتاج إلى بصيرة أكثر منه بصر .. كيف لا أقع أنا في الحيرة والارتباك ؟ ..كيف لا أقع فيهما وأنا أمر بكل تلك المتغيرات ؟..كيف لا أشعر بمثل هذه الحيرة يا أخي ؟.. لا تلومني !! ..فأنا أعيش فيها .. أتفاعل معها !!..عارف .. بعد ظهور النتيجة النهائية للانتخابات تكلمت مع أصدقاء وصديقات عبر التليفون .. ومع سيدات في المولات التجارية ومع رجال ونساء في الصيدلية ومع طالبات في الترام وفي الكلية .. ومع أقاربي ممن قد انتخبوا شفيق وأنا أسألهم مع تعجبي : لماذا انتخبتم شفيق ؟ ..وكانت الإجابة عندهم واحدة وكأنهم متفقون عليها .. وقد زادت هذه الإجابة من حيرتي وهي بالحرف الواحد" نحن قد انتخبنا شفيق لأننا نريد عودة الأمن والأمان وأن الشباب مش عاوز يشتغل وعاوز يعمل مظاهرات وخلاص والبلد عاوزة تتظبط في الأربع سنين دول وبعدين يحلها حلال وعشان كده انتخبنا شفيق لأن هو اللي حيظبطها ".. والعجيب أن الطالبات قلن بالحرف الواحد : "محدش فينا نزل ينتخب أصلاً ".. وأنا في حالة اندهاش وحيرة أكثر مما كنت فيها قبلاً.. وهذه إحابات تُعطي مؤشرات ودلالات على ما وصلت إليه الحال في مصر الآن.. وهنا تدخل بعد جديد يزيد من حالة الارتباك والحيرة : ما السبب في ذلك : هل هو بعد ثقافي يرتبط بمفهوم الانتخابات عند الشعب المصري ؟ هل هو إرث ثقافي يقول بأنه لا فائدة من الانتخابات مهما قيل عن نزاهتها ؟ هل هي فلسفة شعب لا نعرفها ؟ هل هي سيكولوجية بيئة مصرية ؟ وفي هذه الحالة وإذا ما عرفنا إجابات هذه الأسئلة ؟ سينتج لدينا سؤال هام جداً وهو: أليس أي رئيس مصري سيجئ لحكم مصر عن طريق الانتخابات هو وليد هذه البيئة ؟ بكل مميزاتها وعيوبها ؟ وما تأثر ذلك في طبيعة حكم الرئيس المصري الذي يأتي لحكم المحروسة ؟.. وهنا وجدتني أقول بصوت مرتفع :بجد يا أخي : :الناس العاديون البسطاء اللذين كنت تشرح لهم أنت وتوجههم نحو مرشح معين ..هم من يعلمونا ما لا نعلمه ولا نُبصره ..ووالله أنا الآن أقول لكل من أقابله وأتحدث معه من هؤلاء العاديين: قولّي علّمني بصّرني : هو فيه إيه : إحنا عملنا ثورة وألا معملناش؟ : هو فيه ثورة ولا مفيش ؟ : يا ترى فيه إجابات لهذه الآسئلة ولا مفيش ؟.. نورني .. نور بصيرتي .. بس متلومنيش على حيرتي وارتباكي .. لأن الأمر يخص مصر .. و مصر أكبر مني ومنك ومن الجميع .. ومصر باقية ونحن جميعاً ذاهبون إن آجلاً أو عاجلاً .. نحن في موقف نريد فيه المزيد من التعلم ونور البصيرة حتى نخرج مما نحن فيه من حيرة وارتباك .. وفي النهاية سألني أخي : لو عادت الانتخابات من ستنتخبين ؟ فقلت له إن لم يكن هناك شاب من شباب الثورة التي قاموا بها وحلموا بتحقيق أهدافها فلن أنتخب أحداً إلا إذا عاد "خالد علي " لساحة الانتخابات ثانية ..هنا ابتسم أخي في الله .. وقال .. هكذا أنت ..وهنا وجدتني أقول له : شكراً أخي لقد نورت بصيرتي بإثارة كل هذه الأسئلة التي نتمنى لها إجابات في الأيام القادمة .. فهل سنجد لها إجابات ؟ .. ولندعوا لمصرنا الغالية بأن يحفظها الله .. وأن يُسخر لها من يحكمها وأن يتقي الله فيها .. فقال أخي : آمين ..
---------------------
د. شهيرة عبد الهادي
2 مايو 2013 مـ
الأسكندرية
مصر الحبيبة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق