السبت، 20 أبريل 2013

الباعة الجائلين ..... ظاهرة تستحق الدراسة .........بقلم د.شهيرة عبد الهادي


ظاهرة في غاية الغرابة.. وفي نفس الوقت تثير التعاطف مع أصحابها..ولا تجدها سوى في مصر.. وانت راكب الأتوبيس أو المتروأو القطار..تجد أحد الباعة الجائلين قد ركب الأتوبيس وأخذ يرمي على كل راكب " باكو نعناع " يجي في عين الراكب يجي في إيده  يجي زي ما يجي .. وبعد ما ينزل.. يجي واحد بائع تاني  يرمي على الراكب " 25 دبوس صدر بربع جنيه " يجي في عين الراكب يجي في كتفه يجي زي ما يجي .. ينزل ده .. يجي واحد تالت  يرمي على الراكب " لضامة بتلضم لوحدها"  تيجي في عين الراكب تيجي في بطن الراكب تيجي زي ما تيجي .. ينزل ده يجي واحد  يرمي  على الراكب " بخور بجنيه بس " يجي في دماغ الراكب يجي في رجل الراكب يجي زي ما يجي .. ينزل ده يجي واحد آخر  يرمي على الراكب " دبابس الطرحة يا مدام"  تيجي في دماغ المدام  تيجي في عينها تيجي زي ما تيجي .. ينزل ده يجي واحد  تاني  يرمي على الراكب " محفظة وجلدة بطاقة يابيه " تيجي في دماغ الراكب تقع على الأرض وبعدين يزقك عشان يجيبها من على الأرض و تيجي زي ما تيجي ..وإذا قلت له   بالراحة ياإبني شوية  ينالك منه " من الكلام والصراخ في وجهك والشتائم المغلفة " ما لا يسر عدوا ولا حبيب.. وتلاقي من الركاب من يقول لك " سيبه ياعم يسترزق هو فيه شغل في البلد دول غلابة " غير الشتائم  اللي  بيشتمها  في البلد وفي  رئيس البلد  وفي الثورة واللي عملوا  الثورة .. الوضع فوضى  فوضى .. في الحقيقة  أنا  كنت  في حالة ضيق من هذا الفعل .. لكن  بعد تفكيرطويل .. استشعرت  أنني مُخطئة  وراجعت نفسي واعترفت بخطأي .. ورأيت أن هذه ظاهرة تستحق الدراسة والعلاج .. لأن هذه الفئة  فعلاً غلابة .. وهذا العمل  الذي يقومون به داخل الأتوبيس بالرغم  من كم وحجم مضايقاته للركاب .. إلا أنه  يحفظ لهم كرامتهم و ينأى بهم  عن  امتهان  مهنة  "الشحاتة" .. وأنه   ولابد من إيجاد حل لهؤلاء الفئة  كبيرة  العدد .. وقد دفعني هذا المنظر المؤلم الذي  يؤلم البائع ويؤلم الركاب خاصة في هذا الزحام الفظيع في الأتوبيسات العامة إلى القراءة حول هذا الموضوع  ..فـ توصلت إلى معلومة تقول  أن  هناك   أكثر من خمسة ملايين  شاب وفتاة  ممن  قد تخرجوا  من  المدارس والجامعات  المصرية  منهم  حوالي 30 % من البنات والسيدات  يعملون  كبائعين جائلين  وبائعات جائلات .. وتجد أماكنهم دائماً في  الميادين  العامة  ومحطات  الأتوبيسات  وداخل   المترو  وتحت الكباري  وأيضا داخل هذه الأتوبيسات  .. نظراً لأنهم لا يجدون عملاً أو مكاناً مُحدداً لهم  لبيع بضائعهم ..وتوصلت  أيضاً إلى  أنهم  يُطالبون  الآن  بحقوقهم  في  إيجاد  أماكن  محددة  لهم  ليزاولوا  نشاطهم   فيه باعتبارهم  من مجاهدي  الثورة ..فهم     يقولون  أننا  قد ساهمنا  في  ثورة  25 يناير 2011 مـ    فنحن  كنا  من  نبيع  للثوار   المياه    والسندوتشات  والأكل  والشرب  ونعينهم  على  الصمود  في الميدان  والميادين في مختلف أنحاء مصر .. وكنت أفكر في طرح هذا الموضوع  ثم  لأسباب أو لآخرى تم التأجيل .. فإذا  به يراودني مرة آخرى الآن  .. بعد أن كنت أسير اليوم في  المنشية  وأزعجني ما رأيته  من عودة  افتراش الباعة الجائلين  لجميع  أرصفة  وشوارع  وأزقة وحواري  وحدائق  الميدان بصورة عشوائية غير مسبوقة .. والأكثر من ذلك أن تحول الميدان إلى ثكنات لبائعي  الأكل  وعمل الشاي وشرب الشيشة لدرجة أن الميدان ملئ  بحلل   الأكل .. والناس تأكل وتشرب الشاي والشيشة بجوار أكوام القمامة التي تملأ الميدان ..والأكثر من ذلك أيضاً أن سور مبنى الحقانية ذلك المبنى رمز القضاء  أصبح  مباحاً للباعة الجائلين يفترشونه  ويبيعون عليه ما يشوه المنظر العام من بضائع  أستحي من وصفها .. المهم أن كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع من المسؤؤلين ورجالات الشرطة  في الإسكندرية .. ومما هالني ما سمعته من أن رجالات الشرطة وأصحاب المحلات  والمارة يخافون من الباعة الجائلين الذين  أصبحوا يحملون  الآن أسلحة بيضاء يُشهرونها   في وجه من يعترضهم .. وفي الحقيقة أن شوارع الإسكندرية كلها أصبحت عشوائيات  وأصبحت هناك  معاناة دائمة وليست في الأتوبيسات فقط .. لا أدري  أين المسؤؤلين  في محافظة الأسكندرية .. هل من المعقول أن  تسقط هيبة الدولة وأجهزتها الرقابية إلى هذا الحد .. هل من المعقول أن يتم السطو على كل مكان  في الإسكندرية وعلى المواصلات العامة للبيع فيها دون اعتبار  للدولة ولأجهزتها الرقابية .. هل من المعقول حالة الفوضى التي نعيشها بعد الثورة .. إن الثورة قامت للتغيير الإيجابي  واقتلاع الأنظمة الفاسدة وإحلالها بأتظمة  ناجحة شريفة ذات ضمير يقظ تبني وتعمل على حل مشكلات المجتمع .. ومنها مشكلات الباعة الجائلين .. ألم تفكر الدولة  في إمكانية  أن تكون بضائعهم  التي يفترشون بها الميدان  ويبيعونها في المواصلات العامة مُهربة  من بعض البلدان  التي تشهد اضطرابات  إقتصادية وسياسية واجتماعية .. أو أنها بضائع مجهولة المصدر ..وأيضاً رديئة التصنيع وقد تسبب أمراضاً لمن يقتنيها.. كما أنها من الممكن أن تكون سريعة التلف  وليست على قدر من الاتقان ولا يوجد لها أية ضمانات .. وهنا أتساءل أين  دورجمعيات حماية المستهلك  في عملية الرقابة  على هذه البضائع والعمل على تقييمها وعدم بيع  البضائع  غيرمعروفة المصدرمنها .. ناهيك عن أن بعض الباعة الجائلين هم  من المشهود لهم بالإجرام أو ممن يكونوا قد تم تهريبهم من السجون  يوم 28 يناير 2011 مـ .. في  الحقيقة هذه مشكلة يجب أن يكن لها حلولاُ ..تتعاون في إيجادها  كل أجهزة الدولة .. كأن  يتم تخصيص أماكن محددة لهؤلاء الباعة الجائلين على أن تكون قريبة من العمران السكاني وفي شكل حضاري يرتقي بهم ..وفي نفس الوقت بعيدة عن الأماكن  التي تعتبر واجهة حضارية  لمدينة  الإسكندرية الحيوية .. وفي نفس الوقت  يتم  حماية كل من  البائع والمستهلك  بالقانون .. ولابد من  حساب المسؤؤلين عن تقاعصهم عن أداء واجبهم تجاه ما يحدث من تجاوزات  لهؤلاء الباعة الجائلين  وتشديد الرقابة عليهم .. وفي نفس الوقت حماية  هؤلاء المسؤؤلين أثناء تأدية واجبهم    بضمير  ويكون ذلك  أيضاً بالقانون .. كما يُمكن الاستفادة  من   تجارب الدول  الأكثر تقدماً  والتي نجحت في حل  هذه المشكلة .. يا  سادة لا إنقاذ   لمصر من كل  هذه الظواهر السلبية  التي انتشرت  في  جميع محافظات  الجمهورية  ولاتقتصر فقط على محافظة الإسكندرية  إلا بتفعيل  دولة القانون  العادل .. فمتى  تحل هذه المشكلة الكبيرة التي شوهت كل ميادين وشوارع مصر و التي تعاقبت عليها كل الأنظمة المتتالية  حتى اليوم   دون حل  ؟..
---------------
د.شهيرة عبد الهادي
الأسكندرية
20 /4 /2013 مـ
مصر الحبيبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق