التفكك الوطني والتفكك العقلي .. بقلم د. شهيرة عبد الهادي ..
==================
ما نحن بحاجه إليه اليوم في مِصر .. هو إعادة المنظومة الأخلاقية لنا جميعاً ..إلى نصابها الصحيح ثم ننطلق منها إلى إعادة البناء النفسي السليم .. وإلى إعادة التعمير الفكري والعقلي للشخصية المصرية .. تلك المنظومة الأخلاقية الراقية الشاملة التي كانت تتميز بها مِصر .. ويتميز بها الشعب المصري سابقاً .. أيام الخلق القويم ..واحترام الصغير للكبير .. وعطف الكبير على الصغير .. وإماطة الأذى عن الطريق .. وهذا هو دور الأسرة الحقيقي والأولي في البناء النفسي لأولادهم " جيل المستقبل" .. والذي يجب أن يضطلع به كل من الأب والأم إنقاذاً لانهيار المنظومة الأخلاقية التي تمر بها بلادنا الآن .. والتي هي نتاج لتراكمات السنوات السابقة مُنذ السبعينيات .. بالرغم أننا بلد وسطية الإسلام وبلد الأزهر الشريف .. ولعلها السياسة التي تدخلت في كل شئ وأفسد ت علينا كل شئ .. منذ بداية النظرة المادية التوسوعية الأفقية الضيقة.. التي ركزت على استيراد أساليب لجوانب الحياة المختلفة من الخارج في صورة انفتاح أدى إلى انبطاح .. لمبادئ كانت موجودة لدى هذا الشعب الجميل .. قبل تبني هذه السياسة التي جاءت بالانهيار الأخلاقي في مقابل الازدهار المادي كما يدّعون .. هذا الانهيار الناتج عن تلك النظرة المادية التي أصبغت ألوانها الباهتةأحياناً ..والرمادية أحياناً آخرى .. والسوداوية في أحايين كثيرة.. على كل مظاهر الحياة لجوانب الشخصية المصرية وبصفة خاصة على الناحية " الإنسانية النفسية " .. حتى وصلت إلى إصباغ آثارها المُدّمرة على المشاعر الإنسانية .. وعلى مفهوم الحب بمعناه الأعم والأشمل وهو الحب في الله ومن أجل الله .. وصولاً إلى الحب الإنساني البشري القدسي بين الزوجة والزوج والأولاد داخل الأسرة الواحدة وأثرت على طبيعة الروابط الأسرية سلباً .. إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه من " تفكك وطني" .. وتفرقنا شيعاً وأحزاباً.. وأصبحنا هذا إخواني وذاك سلفي .. هذا ليبرالي وذاك علماني .. هذا مسلم وذاك مسيحي.. هذا حزب إسلامي وذاك حزب ديموقراطي .. وكل المسميات التي أدت بالبلاد إلى حالة التفكك الوطني التي نعانيها الآن .. جاءت هذه الكلمات تغالبني اليوم ..عندما حدثت مشاجرة عنيفة في الشارع بين أسرتين يوم الجمعة ووقت الصلاة.. فتعجبت أولاً :لأنها مشاجرة حدثت يوم الجمعة وأثناء وقت الصلاة .. ثم تعجبت ثانياً: عندما سمعت عن سبب هذه المشاجرة .. وهي أن طفل إحدى الأسرتين ضرب الطفل الآخر للأسرة الثانية .. فذهب الطفل المضروب إلى أمه يشكوا لها بثه وحزنه .. فما كان منها إلا أن قالت لإبنها المضروب " روح واضربه زي ما ضربك يا ولا " .. وهنا على الفور توجه هذا الطفل بعد أن أخذ الدعم المعنوي من مصدر الحماية له وهي "الأم ".. و ذهب حيث مكان " عدوه" .. ابن جاره وصاحبه.. وأخذ بقطعة حجارة كانت ملقاه على الآرض " وقام بضربه بهذه الحجارة في دماغة وسالت دمائه على وجهه وملابسه " .. وبدأ صراخ الطفل وعويله نتيجة الضربة والدماء السائلة وبدأ تجمع الناس .. ثم ذهب هذا الولد بدوره هو الآخر إلى أمه وأبوه .. ومن هنا بدأت المشاجرة بين الأسرتين ..بين الجارين .. ومن هنا بدأت الحكاية .. الحكاية التي أصبحت حكاية الشعب المصري الآن .. والتي تتكرر يومياً.. لكن بصورة أعنف ..مُنذ قيام الثورة في 25 يناير2011 مـ .. حدثت هذه الحكاية : بين كل من الإخواني وشباب الثورة "عندما كانوا متحدين "معاً أثناء الثمانية عشر يوماً الأولى للثورة وبين الشرطة.. وبين الإخواني وغير الإخواني بعد أن وصلوا للسلطة.. وبين المسيحي والمسلم وهما تحت لواء وراية الدين و السلطة .. وأيضاً بين الشيعة والسنة .. وهكذا .. وفي الحقيقة كلِ يلهث وراء حُكم شعب فقد لدى حكامه التمسك بجوهرالدين و سماحتة وأساسيات السلطة .. ولا يخفى علينا : إن البداية للتربية الخلقية تأتي من السلطة الأسرية والعقلية في ضوء جوهر مبادئ الدين الأبدية ..التي تمسك بزمام فكر أبنائها .. بالحسنى في ضوء جوهر الدين والسلطة والعقل ..بالترفق ..بالعطف ..بالحنان ..بالقدوة الحسنة.. جتى تنشئ أجيالاُ تتعايش مع بعضها .. إن لم تستطع أن تُحب بعضها البعض .. أتذكر يوماً من الأيام ونحن صغار .. عندما تشاجر أحد إخوتي وهو طفل صغير مع أحد أولاد الشارع .. وهذا الولد كان قوي البنيان عن أخي فضربه وقد بكى أخي من شدة الضرب .. وعندما جاء أخي ليشكوا إلى أمي ..ذهبت أمي إلى أم الولد الذي ضرب أخي .. وجلست معها في حب ودفء يشربان الشاي معاً .. وقاما بإحضار أخي وصاحبه "الولد اللي ضربه" .. وقاما "بالصلح بينهما ".. وهما يقولان لهما " إنتوا اخوات إلعبوا مع بعض " .. كما أتذكر يوماً من الأيام أنني كنت أسير مع " أمي " في أحد شوارع المنصورة ..فإذا بي أجدها تنحني على الأرض لتلقط قطعة حجارة ملقاه في نهر الطريق .. قائلة " أصل حد يتكعبل فيها ورجله تتكسر ولا حاجة يعني يا ناس" .. وأتذكر موقفاً أخلاقياً رائعاً لها لا أنساه لها أبداً .. حينما كانت ترافقني في رحلتي لتقديم أوراقي لمكتب التنسيق بالقاهرة أنذاك : وكنا نبيت عند قريبة لنا هي خالة أبي وزوجة عمه .. يعني مثل " أمه " تماماً .. وفي يوم تقديم الأوراق خرجت معنا لترافقنا في رحلة تقديم الأوراق داخل القاهرة .. إبنتها .. أي .. إبنة عم وخالة والدي .. يعني هي في حكم " العمة لي و العمة لأمي أيضاً " .. وفقاً للتقاليد الأخلاقية العريقة وقتها " زماااااان" .. وركبنا جميعاً الأتوبيس .. فإذا برجل شهم قد قام من على كرسيه وأجلس أمي بدلاً منه احتراماً لها كسيدة .. فجلست أمي بعد أن شكرته على شهامته.. .. لكني قد لاحظت أن نظراتها كانت تتجول هنا وهناك وهي قلقة جداً .. و لا أعلم مصدر قلقها .. وأنا أقول لنفسي .. على أي شئ تنظر أمي ؟ .. ولم تمر دقائق معدودة .. إلا وكان تصرفها الأخلاقي هو الإجابة على سؤالي .. حيث عندما لم تجد من يقف لـ "عمتي" ويُجلسها مكانه .. قامت "أمي" من على كرسيها الذي أُهدي لها .. وأجلست " عمتي " واللي هي في نفس الوقت " عمتها " .. أصل زماااااان .. كانت الزوجة بتقول لأخت زوجها " يا "عمتي".. أهي دي بقى التربية الخلقية زمااااااان .. مجموعة من القيم والمبادئ المستقاة من روح الدين دون تطرف وغلو ..من خلال .. التربية الأسرية .. التي .. يجب أن يقوم بها كل من الوالدين في تربيتهما لأبنائهم .. التربية الأسرية التي يتمتع فيها كل من الأب والأم بالقدرات الفطرية التي أوهبها لهما الله سبحانه وتعالى .. القدرات المختلفة : القدرات على : التحليل والاستنتاج والاستنباط وإدراك العلاقات والمتعلقات ..للموقف والمواقف .. بعد أن مر بمرحلة الإدراك والإحساس .. لينتبه إلى خطورة الموقف وما قد يؤدي إليه من تفكك أسري يُعتبر هو اللبنة الأولى لحدوث التفكك الوطني .. وإن كنت أعتقد الآن أن التفكك الوطني الحادث الآن في مِصر هو نتاج لتفكك أسري قديم نتيجة سياسات مُتعاقبة لأناس حكموا شعب وهو بعيد كل البعد عن اهتماماتهم .. وهو بدوره ..كان نتاجاً لتفكك عقلي وعدم إعمال ما وهبه الله لنا من قدرات عقلية ومحاولة إيجاد العلاقات بينها للاستفادة منها في تحليل الموقف والمواقف .. وإيجاد الحلول والأساليب المناسبة للعلاج لهذه المواقف واحتوائها .. تلك القدرات التي خلقها الله سبحانه وتعالى في كل البشر وجعلهم متساوين فيها .. في أي مكان .. كان .. في الهند أو في لبنان ..أو في خصوص مصر والسودان .. ولم ينتبه لها الساسة ولا الشجعان .. فتشاجرنا وتحاربنا .. وتحولنا من زمن فن العمارة الإنشائية والعمارة العقلية ..إلى زمن الانحدار في المبادئ القيمية الإنسانية ..الذي بَعُد عن زمن حضارة العقلية المصرية ..التي كان وما زال العالم يحسدنا عليها إلى الآن وإلى أبد الأبدية .. فـ انتبهوا أيها الساسة الإسلاميون والمسيحيون منكم والمدنية.. فمٍصر كانت أم الحضارات الإنسانية ..وأنتم تؤدون بها إلى غياهب التفكك الوطني وتفكك روح الانتماء للبلد وللوطنية .. ناهيك عن تفكك العقلية .. والعلاقة بينهما علاقة تبادلية..
------------------
د.شهيرة عبد الهادي
12 /4 /2013 مـ
الإسكندرية
مِصر الحبيبة
جميل يا دكتورة ... ونتمنى العودة لصحيح الدين وما رسخ من اخلاق وقيم ... انت وجدتى قدوه وهو ما يفقدة المجتمع الان...
ردحذفمقالة رائعة
ردحذفدكتوره شهيره ....... يدل على انسانه تعيش الواقع بشكل ملموس
أشكركم يا أستاذ " كيمو" على التعليق والرد الراقي المحترم
ردحذفأشكركم يا أستاذ ياسر بيومي على تعليقكم المحترم الراقي
ردحذف