الخميس، 9 أكتوبر 2014

التوحيد على أرض مصر قديم جداً .. مقال للدكتور مصطفى محمود


مقال رائع ويجب على كل مصري ومصرية قراءته ليعلموا قدر بلادهم..ولكي يعلمون أن لهم تاريخ مُشرِّف ..فيه  علَّم قدماء المصريين  أجدادنا .. الدنيا  أشياء كثيرة  إن لم يكن قد علَّموهم كل شئ..حيث كانت تجاربهم هي أولى التجارب على مستوى العالم ..وعلى أرضهم كانت البدايات الأولى للتوحيد.. وأيضاً في حضارتهم  القديمة وعلى أرضهم .. كانت الحروب  بسبب كهنة المعابد الذين حرَّفوا  الدين .. ومن أرض أجدادنا  الفراعنة  انتشر  البشر   وتخلَّصوا من  ظلم ناتج عن أيديولوجيات  غير سوية  إلى أراضٍ جديدة ليُعمِّروها .. إن تاريخ أجدادنا  تاريخ كلخ حضارة وعمل وجد واجتهاد .. وإن شاء الله ستبقى مصر إلى الأبد  بفضل الله ثم بفضل عمل وإنتاج أبنائها .. ولذلك علينا أن نسأل أنفسنا السؤال الآتي : ماذا فعلنا نحن في تاريخنا الحديث الآن ؟
----------------------------------
 التوحيد على أرض مصر قديم جداً .

ليس كما يظن البعض أنه بدأ بإخناتون و إنما قبل إخناتون و قبل امنحوتب و قبل مينا .
الرسالات بدأت على أرض مصر منذ اثنتى عشر ألف و خمسمائة سنة .
هكذا يقول المؤرخ مانيتون .

بدأت بأوزوريس ( وهو النبى إدريس ) عليه السلام .. الذي جاء إلى مصر بالتوحيد .. وكان اول من علم المصريين الكتابة بالقلم و لبس المخيط ومباديء الفلك والتنجيم وضبط الفصول والزراعة والتقويم الشمسي .. وعلّمهم أن هناك خالقاً واحداً وأن من يموت منهم سوف يُبعَث ثم يقف بين يديه ليُحاسَب ثم يصير إلى خلود في نعيم أو في عذاب حسب أعماله .. وكعادة الشعوب القديمة تحول ازوريس بعد موته إلى أسطورة وأصبح آلها ونسجت حول سيرته الملاحم والأغانى والأناشيد .

والمهندس سيد كريم فى كتابه المثير ( عقيدة التوحيد ) يرى أكثر من هذا .

إنه يعتقد أن الآلهة أتوم .. وأزوريس .. ونو .. هم آدم .. وإدريس .. ونوح .. فما قيل عن إدريس هو نفس ما قيل عن ازوريس ... فإدريس في التاريخ - كما قلت - هو الذي علّم الناس الكتابة بالقلم ولبس المخيط ومباديء الفلك والتنجيم وضبط الفصول والزراعة والتقويم الشمسي .. كما أن الإله نو .. قد وُصِفَ بأنه إله الماء والفيضان ومُنقِذ البشرية .. وأتوم أو آدم هو أول من نزل الأرض في مبدأ الخلق .

وهو يقول أن أوزير قد يكون هو ( عزير ) النبي الذي جاء ذكره في القرآن وفي التوراة وهو الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه فكان المعجزة التي تحولّت إلى أسطورة.... ثم كالعادة تحول إلى إله .
.
ولسيد كريم نظرية خاصة فى التعددية الواضحة فى ألهة الفراعنة الذين بلغ عددهم فى إحصائية العالم بروجش ألفين وثمنمائة إله ... إن هذا العدد فى الأصل ليس ألهة وإنما أسماء وصفات وأفعال لإله الواحد... ويدلل على ذلك بأن كلمة إله فى الهيروغليفية (نتر) معناها اليد القوية وهى صفة وليست شخصاً .
والدليل الآخر والأهم هو ما جاء فى وصف هذا الإله الخالق فى متون كتاب الموتى وفى بردية تحوت وفى بردية ختيا وفى نشيد إخناتون
ونكتفى بهذه الفقرات التى تعبر بأفصح من أى دليل : فى البدء كانت الكلمة والكلمة مصدرها الإله ، إله واحد هو كل شئ كان وكل شئ كائن وكل شئ سيكون ..محال على من يفنى أن يكشف النقاب عن سر ما لا يفنى .. عرشه فى السماء وظله على الأرض .
فوق المحسوسات ومحيط بكل شئ.
موجود بغير ولادة ..أبدى بلا موت.
ويقول الإله فى كتاب الموتى
خلقت الكائنات وأودعت فى كل منها صفة من صفاتى
خلقت كل شئ وحدى ولم يكن بجوارى احد .
بكمتى خلقت ما أريد.
خلقت الارض وما تحتها والسموات وما فوقها والمحيطات وما فى اعماقها والجبال وما فى بطونها .
وبردية أخرى تصف هذا الإله الواحد
.
هو فى مخلوقاته وهو يعلوا عليها جمعياً .
هو يرى ببصره كل شئ ولا تراه الأبصار ويسمع كل همسة ولا تدركه الأسماع .

وفى كتاب الموتى نقرأ هذه الصلاة :
أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وانت الباطن فليس دونك شئ .

وفى متون البرديات القديمة تبدأ القصة هكذا .

فى البدأ كان الظلام والعماء والسكون ولا شئ سوى المحيط.

ومن باطن هذا المحيط المظلم خلق الله نفسه بنفسه وخرج ليفيض النور والحركة على الوجود وكان أول ما خلق هم جنود ملائكة التكوين الثمانية خلقهم من انفاسه ليكونوا حملة عرشه فوق الماء .. والعرش كان هو التاسوع لهؤلاء الثمانية المقدسين ( 9 رقم مقدس عند الفراعنة وكذلك 7 لأن الله خلق كل شئ فى ستة أيام ثم استوى على قمة الوجود فى اليوم السابع)

ويصف كتاب الموتى نعيم الجنة بانه تجرى بها أربعة أنهار .. نهر من الماء الزلال ينبع من عين الخلود ونهر من لبن مقدس يتساقط من ثدى نوت ..ونهر من خمر ذهبى يسيل من آشعة الشمس ، ونهر من عسل مصفى ينحدر من حدائق الجنة .
وسماء الجنة صافية تعكس ألوان الطيف وأرضها خصبة مزدهرة وأشجارها دانية القطوف والثمار وحصاها من الأحجار الكريمة .

مثل هذا التراث الدينى القديم منذ اثنتى عشر ألف سنة لا يمكن أن يأتى من فراغ .
ومثل هذه النبرة الصافية للتوحيد الذى لا يشوبه شرك لا يمكن أن تخرج إلا من مشكاة أنبياء نزلوا مصر وساحوا فيها ينشدون هذه الأنغام الملائكية .. ورسلاً لا نعرفهم ولم يأت لهم ذكر فى الكتب السماوية.
ألم يقل الله لنبيه عن الرسل :
( منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك).
فأى غرابة فى هذا .
أوليس التحريف والتبديل والتغيير هو آفة الكهنة فى كل زمان ..وهم الذين حولوا هذا الركب من الرسل إلى آلهة..ونسجوا حولها الأساطير وحولوا الأسماء والصفات الإلهية إلى أرباب بلا عدد ..ليكون لكل رب قرابين ومعابد وضرائب تجبى من السذج والبسطاء ..ثم كالعادة يدخل كل هذا إلى جيب الكهنة .
ثم جاء الفراعنة الذين سخروا الدين لأغراضهم السياسية واستخدموه سلاحاً للسلطة ..كما نرى حال الفرق التى تلعب لعبة السياسة والدين حولنا اليوم بهدف ركوب السلطة.

ومن هذا الصراع جاء هذا التاريخ المختلط الذى نقرأه زاخراً بهذا الكم الهائل من الشرك والتعدد والوثنية ، وهذه المعارك التى خاضها بعض الملوك الشرفاء بهدف انتشال العقيدة والعودة بها وبالبلاد إلى التوحيد مثل مينا وامنحوتب واخناتون ..وبعد كل انتفاضة يعود الكهنة فينتصرون بمؤامراتهم .. ولا يجد الموحدون مخرجاً إلا الهرب والهجرة والفرار بأنفسهم وهذا ما تحكيه البرديات عن.. السابى ..الذين فروا إلى الجزيرة العربية بعد قتل اخناتون هرباً من الاضطهاد والسابى هم الذين جاء ذكرهم فى القرآن باسم الصابئة { الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى } فجعلهم اللع مع الناجين يوم القيامة وكذلك قبيلة بنو عبد مناف ..فهؤلاء مهاجرين من منف . ومثلهم قبائل جرهم الذين لجأت إليهم أم إسماعيل.

لقد كانت مصر دائماً أرض توحيد ..وكانت مهد كل الديانات .

ولذلك أطلق عليها الفارعنة اسم جب تاه ( (egypt بالهيروغليفية أى أرض الله.
وهى عندنا كنانة الله فى أرضه ..وهى المحروسة وأهلها فى رباط إلى أن تقوم الساعة .
وجنودها كما قال النبى عليه الصلاة والسلام هم خير أجناد الأرض .
وفى عين شمس ومنذ اثنتى عشر ألف سنة قامت أول جامعة وأول أكاديمية علمية هى جامعة أون.
وفى هذه الجامعة درس أفلاطون وسولون وأرسطو. وفى بردياتها المفقودة كانت أسرار علوم الأطلانطيس ..وأسرار بناء الهرم الأكبر وكيف استطاع علماء ذلك الزمان رفع الحجر الجرانيتى بوزن 75 طناً ليكون سقف غرفة الملكة فى الهرم ..بدون أوناش وبدون تكمولوجيا فقط بالتلاوات وتركيز الهمة واستخدام القوة المغناطيسية الذاتية لإلغاء الجاذبية الأرضية ..وفيها البرديات التى اندثرت عن أسرار الحروف والأرقام وفيها فنون الطلاسم والسحر ..والكثير مما أخذه اليهود وفى كتابهم ..الكبالاه.
ومن طرائف ما جاء فى إحدى البرديات عن الرقم 9 أنه إذا ضرب فى الأرقام 987654321 مجتمعة ( وهى ترمز للملائكة الثمانية وتاسوع العرش الذى يحملونه ) لجاءت النتيجة 01 11 11 11 11 وهى صورة رقمية للملائكة الثمانية والإله الواحد الذى يحملون عرشه.
وفى هذه البرديات أن الانسان الذى خلقه الله على صورته له هو الآخر تاسوع ، فالروح يكون لها استواءعرشى فى الشهر السابع من حياة الجنين تحمها عناصر الحياة الثمانية فى الإنسان وهى القلب والقرين والعقل والظل والطاقة والجسم الأثيرى والجسم المادى والاسم.
ومن أجمل ما قيل عن الآخرة فى كتاب الموتى .
أن الآخرة هى الميزان الذى تعتدل به الدنيا فلا يمكن الموت نهاية كل شئ ، فلابد من بعث وحساب ليكون لكل شئ معنى وللدنيا غاية وللميزان اعتدال .
ولا نهاية لما تحويه هذه البرديات القديمة من علوم وأسرار .
ولا يلزم أن يكون كل ما جاء فيها صواباً .. وإنما هو عرضة لكل ما أصاب هذه الأزمنة القديمة من تحريف وتشويه وحذف وإضافة .
لكن جوهر القضية سليم أن مصر كانت دائماً أرض التوحيد وان التوحيد بها قديم قبل اخانتون وان جميع الأنبياء مروا من هنا وأن أول ما جاءت لا إله إلا الله .. جاءت من هذه الأرض .. وأن التعددية الوثنية كانت صناعة الكهنة وحرفة السياسة وانها لم تكن قط أصلاً من أصول العقيدة المصرية
وعشرات المسلات التى تشير كالإصبع إلى السماء فى كافة أرجاء مصر وبطول وادى النيل تشهد على ذلك الواحد فى السماء الذى تعلقت به القلوب والأبصار إنها مآذن التوحيد ومصاعد الدعاء والتسبيح فى ذلك العصر البعيد
وتراث التاسوع والثالوث والابن الإله الذى يقتل ويبعث ( أوزوريس وإيزيس وحورس) الذى دخل فى اللاهوت الحالى وامتزج بالفكر الدينى يخرج من كهنوت ذلك العصر القديم فالحاضر أخذ معه الماضى بكل ما فيه من حقائق وأباطيل كما يأخذ الإبن ملامحه من أجداده
ونجد فى ذلك التاريخ المصرى القديم كل شئ نجد مرحلة الإقطاع ونجد الثورة الشيوعية الأولى التى أتت فى نهاية الأسرة السادسة عام 2280 قبل الميلاد وطاردت رجال الدين والمثقفين فى منف وأدت إلى الإنهيار الحضارى الأول وإلى هجرة الألوف من العلماء والمفكرين إلى الجزيرة العربية وبابل وفلسطين هاربين من الإضطهاد .. والذين استوطنوا منهم الجزيرة العربية عرفوا بقبيلة بنى مناف نسبة إلى منف وقد أطلقوا على مكة اسم بكة .. وبكة بالهيروغليفية معناها حصن الأمان .. وقد وردت باسم بكة بنصها فى القرآن .
ولم يكن غريباص أن يعيد التاريخ نفسه بدخول الفكر الشيوعى مرة أخرى مصر على يد عبد الناصر ايؤدى إلى القرارات الإشتراكية سنة 1960 وإلى الإنهيار الإقتصادى وإلى هزيمة 1967 وإلى هجرة المثقفين وإلى عشرين سنة من النظام القمعى الدكتاتورى ومن قبل دخلت شيوعية القرامطة بغداد وهدمت الكعبة وقتلت الحجيج وسرقت الحجر الأسود ، وفعلوا ما فعله الخمير الحمر فى كمبوديا اليوم ، وما زال التاريخ يعيد نفسه فى الصين وفى بولندا وفى تشيكوسلوفاكيا وهتاف الطلبة فى بكين فى ميدان تيانان من و هم يغنون أغانى الحرية والدبابات الشيوعية تحصدهم .. أسمعه الآن وكأنى أقرأ بردية مصرية قديمة عن مواكب الظلم والظلام التى لا تتوقف و التى تعيد نفسها مرة بعد مرة عبر التاريخ .. وفى كل مرة يتخذا لظلم لنفسه أيديولوجية وكهنوتاً وكهنة ولكنه هو دائماً وإن اختلفت الأسماء .
ولهذا كان اخناتون على حق وكان عبقرياً حينما قال فى مقدمته عن رسالة العقيدة :
هذه رسالة الإله كما أرادها الإله . فالله يريد أن يخاطب الناس بنفسه بدون وساطة من أحد وبدون كهنوت . كما يقول نبينا عليه الصلاة والسلام : استفت قلبك
الحلال بين والحرام بين .
وكما نقول نحن .. صوت الفطرة .. وصوت الضمير فما أكثر ما فعل الكهنوت بالناس من مفاسد ، وما اكثر ما اضلتهم الأيديولوجيات ، ولو أنهم انصتوا إلى صوت الفطرة فى داخلهم ، ولو انهم استمعوا إلى صوت الضمير ..ذلك السفير الإلهى الذى لا يخطئ ..لما ضلوا ولما أضلوا .
ويستمر النشيد الإخناتونى البديع فى تلك النبرة التوحيدية الصافية .
ونعود فنقرأ هذا النشيد فى مزامير داود .. وأحياناً نصادف نفس الألفاظ ونفس العبارات .. ونفس المعانى .
ولا غرابة.
فقد أخذ الكل من نبع واحد .
من الله الواحد الذى خلق الكون وحده ولم يشرك معه أحدا.
الله الذى يبصر كل شئ ولا تراه الأبصار ، ويسمع كل شئ ولا تدركه الأسماع ، لأنه الواحد الذى ليس كمثله شئ .

منقول من صفحة Dr. Mostafa Mahmoud

كتاب / عالم الأسرار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق